-->

مهارة وصف رحلة : نموذج من إنجازات التلاميذ

من إنجاز التلميذ : مروان أعريش                                                  – الثالثة : 10

      كان خروجي من مدينة أكادير رفقة عائلتي في فصل الربيع ، وكانت وجهتنا مدينة مراكش قصد الترفيه عن أنفسنا.
      عند وصولنا، كان الليل قد أرسل ثوبه الأسود ليغطي به آخر ماتبقى من أشعة شمس ذلك المساء، وسرعانما بدت صفحة السماء كأنها ثوب أسود مزركش بنجوم براقة تقف في انتظام بديع ..وكنت وأنا أرى ذلك المنظر الجميل يخيل إلى كأن القمر يمد النجوم بالطاقة لترسل أشعة ضوئها في اتجاه الأرض..سرنا نتجول في المكان ونستكشفه،كانت الفرحة تغمرني ، وكانت أختي الصغيرة تقفز وتركض من مكان لآخر كالكنغر الصغير الذي أطلق سراحه في محمية جديدة وراح يستكشفها بشوق ولهفة..ولم تتوقف عن حركتها إلا عندما صاح والدي قائلا : ((لا تتعبي نفسك بنيتي ، فأمامك ليل طويل..)).أما امي فقد توقفت وقد خانتها الكلمات للتعبير عن موقفها من المكان، لكنها عبرت عنه بسكوت يدل على رضاها.

     وصلنا إلى ساحة شاسعة ، تحيط بها الفنادق والمحلات والمقاهي ..ورغم شساعتها تبدو كرقعة لا تستوعب الأعداد الغفيرة من الجماهير التي تقصد المكان..إنها ساحة ((جامع الفنا))..ومما يثير الاستغراب أن رواد هذه الساحة من أصحاب الحلقات وأرباب المطاعم وبائعي العصائر… لا ينامون، ويظلون على حيويتهم طول الليل..وكأن شمس منتصف الليل قد انتقلت من القطب الشمالي إلى مراكش،وأما أضواؤه التي تسمى أضواء الشمال فقد انتقلت هي الأخرى لكنها غيرت من شكلها لتصبح أطيافا وأشباحا تتجول في ساحة ((جامع الفنا)) ناشرة بذلك روائح تجذب الناس كالمغناطيس. إنها رائحة الطعام الذي لطالما جذب الناس من أقطاب العالم ليتناولوه في هذه الساحة.
     في مركز دائرة وسط الساحة كان يقف رجل يرتدي جلبابا أبيض فضفاضا وبلغة صفراء ، وطاقية ارتفعت فوق رأسه كقمة ((إفريست))..كان يحكي للناس حكاية من الزمن الغابر ، وكان صوته يرتفع تارة ، وينخفض تارة أخرى حتى يتلاشى كبقايا لهب النار ، وعندما يصل لحدث مهم في تلك الحكاية يرفع صوته وكأنه يضيف البنزين إلى باقايا ذلك اللهب لترتفع ناره وتصطك وتشتد ، والمتحلقون حوله يتابعون أحداث الحكاية الدرامية في شوق ممزوج بالتعجب والاندهاش..ولولا القدرة الإلهية لتحولوا إلى علامات تعجب واستفهام..
      وغير بعيد عن هذه الحلقة تناهى إلى سمعنا ضحك جمهور من الناس كان يتحلقون حول رجل فكاهي ذو خبرة عالية في الترفيه عن النفوس.. أما أصحاب المقاهي والمطاعم ، فقد تعددت أساليب ترحيبهم بالزبناء..كانت أساليبهم مثل تعويذة سحرية يلقيها الساحر ليجتذب شيئا ما ، وكانت غالبا ما تنجح هذه الأساليب.أما أصحاب العصائر فقد كانوا يلبسون لباسا موحدا كالكتيبة الحربية ، كانوا يرتدون وزرات بيضاء ، وطاقيات قد تقاطعت فيها ثلاثة خطوط حمراء.
      ظهرت علامات التعب على أختي الصغيرة..ولم تعد تستحمل صخب المكان ، وياللأسف فقد دق جرس العودة ، وحان الوقت لنفارق هذا المكان الرائع ..ركبنا السيارة وانطلقنا راجعين إلى مدينة أكادير..وفي الطريق كنت بجانب النافذة ، فرأيت الشمس وهي تتحرر شيئا فشيا من استعمار الليل ، وتزيح عنها ستاره الأسود ليغادر في استسلام تام لضوء الصباح. فجأة لمحت عيني لوحة فنية غاية في الروعة والجمال ، لمحت النباتات والسنابل تتراقص على نوتة خفيفة منبعثة من نسيم الصباح والهواء العليل ، وعندما تصل إليها أشعة الشمس تستفيق من سباتها الشتوي وتبدو في أبهى حلة.
     إن في الحياة رحلتان : الثانية منهما أكبر وأطول من الأولى ، فلنجعل رحلتنا الأولى رحلة ننسجها بخيط الزمن كي يكتبها التاريخ في صفحات المكان الذي زرناه ، ولنجعل بصمتنا خلال هذه الحياة في كل مكان.