-->

رقصة تاسكيوين

تبدأ هذه الرقصة مع منتصف الليل فما فوق بساحة خاصة ، يوقد الراقصون النار في إحدى زواياها لتسخين آلاتهم والاستضاءة بنورها ، ويعلقون مصابيح الغاز في الجنبات والقمر يزداد بهاء حينما يختلس الإطلالة بين الفينة والأخرى من خلال  السحب ليلمح دائرة الرقص التي يتكون نصفها الأول من الرجال ، ونصفها الثاني من النساء ، وقطرها يكونه (رايس) ومعاونوه ببناديرهم وشباباتهم ، يحيط بتلك الدائرة جمهور غفير النص القرائي ((رقصة تاسكيوين)) من الرجال والنساء والفتيات.
أصغر الفتيات الراقصات قد تبلغ العام الرابع أو دونه ، وأكبرهن لا تتجاوز ستة عشر ربيعا ، أرجلهن يحجبها الحائك الأبيض المتدلي من الخصر تحت حزام عريض قد يكون آية في الزركشة ، ويميس الحائك ، ويتهادى يمنة ويسرة كلما تناسقت حركات الراقصات وازدادت انسجاما ، وكأن الصدور تغار ، فتأخذ في الاهتزاز لتكسر المرجان واللوبان والقلادات الفضية التي توشوش بغبطة. ومن آذانهن تتدلى أقراط مصنوعة من الفضة على هيأة الأكف ، وتسمى هذه الأقراط ((إموحيدين)). ومن يدري لعلها من بقايا جواهر العصر الموحدي. أما رؤوسهن فأخشى إن حاولت الوصف أن أتيه بين وصف عبير الزهور ، وصفاء الفضة ونعومة الحرير ، ونصاعة جباه تدغدغها قطع نقدية عريقة ثمينة تتدلى من حزام حريري متوارث، يغطي الناصية ، ويعقد فوق الضفائر الخلفية لينساب طرفاه إلى الوراء في حركات مائسة.
أما الرجال فزيهم أبيض ناصع – فوقية وتشامير – وعلى رؤوسهم عمائم بيضاء ، اشرأبت من طياتها زهور زكية ، كما تتدلى من الكتف الأيسر خيوط حمراء قانية مشكلة  شكلا أسطوانيا ارتفاعه لا يتعدى الشبر ، وقاعدته العليا تتدلى من آلة ((تيسكت)) التي تسمى بها هذه الرقصة ، و ((تيسكت)) تشبه القرن ، مصنوعة من خشب مطعم بصفائح فضية ، وجواهر براقة ، قد يتوارثها الأحفاد عن الأجداد. وباليد اليسرى يمسكون ((أثحال)) – الطعريجة – ينقرونها بأصابع اليد اليمنى ، ويتقلدون محفظة مطرزة يمنة ، وكمية فضية يسرة ، ويتمنطقون بحزام عريض مطرز يسمى ((تاجبات)) ، فإذا بالرجال والفتيات يكونون دائرة هندسية آية في تناسق الألوان والآلات والحلي والحركات ، يتوسطها أربعة رجال غالبا – يحمل اثنان منهما بنديرا ، ويحمل الآخران نايا ، ويتوسط الأربعة رئيس الرقصة لابسا جلبابه ، حاملا بنديره.
في منتصف السهرة يخرج راقص أعزب ، راغب في الزواج ، أو راقصان فأكثر ينسلون من خلف الرجال بالخطى الراقصة تجاه صف الفتيات ، فإذا بلغوا خلف البالغات سن الزواج يزدادون خفة وطربا ، حتى تنبري لهم فتيات تندس كل واحدة بين اثنين فيراقصوهن جنبا إلى جنب ، وقد ينفرد كل واحد بالتي على يمينه يحاكي حركاتها المتناسقة ، وتحاكي حركاته المعبرة ، فيميلان يمنة ويسرة ، أماما وخلفا ، والإيقاع الموسيقي يزداد حدة ، وينفجر المتفرجون بصيحات وهتافات  ، وكأنهم يباركون مسبقا ما ستسفر عنه تلك البوادر الأولى ، وتنطلق الزغريد ، وترمى الورود ، وتذر حبات الملح على الراقصين والراقصات.
عمر أمرير ، حفلات الزواج والحب في الأطلس الكبير ، التراث الشعبي ، العدد 12 ، السنة 8 ، 1977 ، ص ص : 13 – 15 (بتصرف)

*ملاحظة النص واستكشافه :
1- العنوان : مركب إضافي يتكون من كلمتين إحداهما تنتمي إلى المجال الفني وهي كلمة (رقصة) ، والثانية تنتمي إلى المعجم اللغوي الأمازيغي (تاسكيوين)
2- الصورة المرفقة : تنسجم مع العنوان لأنها تمثل مشهدا لرقصة تراثية يظهر فيها الراقصون بزيهم الموحد والمتناسق في شكل وألوانه ،  وآلياتهم الموسيقية الببسيطة.
3- بداية النص : نلاحظ فيها تكرار لكلمة (رقصة) مع مؤشرين : (زماني ومكاني) يشيران إلى زمان وزمكان انطلاق هذه الرقصة.
4- نهاية النص : نلاحظ فيها بعض مشتقات كلمة (رقصة) مثل : (الراقصين – الراقصات)… مع الإشارة إلى بعض الطقوس المتزامنة مع الرقصة مثل : (الزغاريد – رمي الورود – ذر الملح)
5- نوعية النص : نص وصفي ذو بعد فني / ثقافي

* فهم النص :
1- الإيضاح اللغوي :
- يميس: يتحرك في اهتزاز
- يتهادى: يتمايل
- اشرأبت : ارتفعت وبرزت
2- الفكرة المحورية :
وصف رقصة تاسكيوين من حيث زمانها ومكانها وشخوصها وطقوسها التراثية والاجتماعية.

* تحليل النص :
1- الأفكار الأساسية :
أ- وصف زمان ومكان رقصة تاسكيوين ومكوناتها.
ب- وصف الفتيات الراقصات. 
ج- وصف الرجال الراقصين .
د- وصف بعض طقوس الرقص عند انتصاف السهرة.
2- الموصوف الرئيسي والموصوفات الفرعية :
يمكن إعادة صياغة أفكار النص الأساسية على الشكل التالي :
- الموصوف الرئيسي : رقصة تاسكيوين
- الموصوفات الفرعية :
الزمان والمكان
الراقصات
الراقصون
مكونات الرقصة وطقوسها
منتصف الليل في ساحة خاصة - صغيرات السن
- يرتدين حائكا أبيض وحزاما عريضا..
- يتزينن بالمرجان واللوبان  والقلادات والأقراط الفضية
- زيهم أبيض ناصع
- فوق رؤوسهم عمائم بيضاء
- تتدلى من أكتافهم اليسرى خيوط حمراءقانية.
- باليد اليسرى يمسكون((أثحال)).
- يتقلدون محفظة مطرزة وكمية فضية…
- يتمنطقون بحزام عريض مطرز.
–يكون الرجال والفتيات دائرة هندسية يتوسطها أربعة رجال غالبا.
- في منتصف السهرة يخرج راقص أعزب…
- تنطلق الزغاريد
- ترمى الورود
- تذر حبات الملح…
 
3- الحقول الدلالية :
حقل الأزياء
حقل الحلي
حقل الآلات الموسيقية
الحائك – حزام عريض – الحرير – حزام حريري – فوقية وتشامير – عمائم بيضاء - المرجان – اللوبان – القلادات الفضية – أقراط – الفضة – أثحال (الطعريجة) – البندير - الناي
4- ملامح خطاب السرد في النص :
تتجلى ملامح خطاب السرد في الفقرة الأخيرة من النص حيث يسرد السارد أهم حدث في رقصة ت((اسكيوين )) وهو حدث انسلال بعض العازبين إلى صف الفتيات الراقصات. وما يمثله ذلك من إعطاء الإشارات والبوادر الأولى للزواج.

* التركيب والتقويم :
يصف الكاتب رقصة ((تاسكيوين)) بكل تفاصيلها مركزا على أزياء الراقصين والراقصات وما تتميز به من تناسق في الشكل والألوان ، وتناغم مع الحلي التي يتزينون بها ، والأدوات الموسيقية التي يحملونها ، مما يعطي لهذه الرقصة لمسة جمالية وبعدا فنيا ثقافيا متجذرا في الثقافة الفنية الأمازيغية المغربية.
وعليه ، فالنص يتضمن قيمة فنية / ثقافية تتمثل في الدلالة  التراثية التي تجسدها رقصة ((تاسكيوين)) مما يجعلها تراثا تعبيريا مخلدا لأهم الطقوس العريقة في الثقافة المغربية.