-->

        الدولة المعاصرة القوية لا تعتمد فقط على الأرض والقوة البشرية ، لكنها أصبحت في العصر الحاضر تعتمد على القوة الاقتصادية.
        لم يعد هدف الاقتصاد الاكتفاء الذاتي في الغذاء والتصنيع والتجارة ، ولكن نطاق الاقتصاد اتسع ليصبح – إلى جانب تحقيق الرفاهية وطيب العيش للشعب – مجال التنافس الدولي ، وتطور شيئا فشيئا ليأخذ التنافس طابعه القوي ، بحيث يصبح الاقتصاد قوة تفرض الوجود القوي للدولة داخل المجتمع الدولي ، ويفرض تفوقها بين قرنائها من المتفوقين.
         للقوة الاقتصادية إذا واجهتان : الواجهة الداخلية والواجهة الخارجية.
         الواجهة الداخلية تتطلب أن يكون الاقتصاد في خدمة المواطنين والدولة ، وأن يكون المواطنون والدولة في خدمة الاقتصاد. ومعنى ذلك أن المواطنين يجب أن يجندو أنفسهم ، لخدمة مصادر الإنتاج. فالأرض الزراعية يجب أن تحقق الاكتفاء الذاتي من الغذاء. ولكن الاكتفاء الذاتي أصبح مطمحا متواضعا ، فليس هناك دولة تحسب على الدول القوية تكتفي بأن يكون إنتاج الأرض يحقق الاكتفاء الذاتي فحسب ، وليس هناك شعب من شعوب الدول القوية يقتصر طموحه الغذائي على الاكتفاء الذاتي. الشعوب الحدثة تطمح نحو الرفاهية الغذائية التي تنمي مضمونها عند الشعوب ظاهرة الاستهلاك المتنامي في العالم الحديث.
        أما الاقتصاد الصناعي فقد أصبح قوة داخلية في الدول النامية. لانتحدث هنا عن التصنيع الذي يحقق الاكتفاء الذاتي مما يلبس المواطنون أو يستعملون يوميا من أدوات أو يركبون من سيارات. فتلك مرحلة اجتازها العالم الصناعي منذ قرنين ، ولكن عن الصناعة الأكثر تطورا والتي تشغل ملايين العمال والأطر الفكرية والعملية ، وتخترع عشرات الإختراعات التي تحقق الرفاهية من جهة ، وتلبي رغباتها التنافس العلمي والاقتصادي من جهة ثانية ، وتدر عليها أموالا طائلة من جهة ثالثة ، وتحقق من جهة رابعة إشعاعها الحضاري في البلاد التي تغزوها هذه الصناعات.
        والصناعة أعظم قوة اقتصادية تحقق للشعب رفاهية متنامية ، فهي التي تدر على الشعب أموالا ضخمة فتنقل المواطنين فيه من حالة الفقر أو الكفاف إلى حالة الغنى والرفاهية ، إلى جانب ما تدره على الدولة مما يمكنها من تنفيذ المشاريع الاقتصادية والاجتماعية وهي تصب جميعها في النهر الكبير ، نهر الحضارة والازدهار ، وهي جميعها تحقق قوة الدولة الداخلية بقوة شعبها العامل ، وقوة أبحاثها العلمية وقوة المال الذي تدره على الدولة والشعب معا.
        وفي الواجهة الخارجية نجد أن القوة الاقتصادية تكسب الدولة قوة مؤثرة وضاربة. القوة الاقتصادية النسبية هي التي مكنت بعض الدول من تكوين امبراطوريات واسعة لم تكن تغرب الشمس عن بعضها. والقوة الاقتصادية هي التي تضع بعض الدول في مركز دبلوماسي مهم ، وفي مركز عسكري لا يقل أهمية ، ثم تعطي لبعض الدول نفوذا في مختلف القارات عن طريق التجارة والصناعة ، وتأثيرها الثقافي أيضا له مظاهره. وقد فرضت كثير من الدول لغتها في كثير من الأنحاء عن طريق الاستعمار. ولكن القوة الاقتصادية أثرت في فرض اللغة على كثير من البلاد للتعامل التجاري والصناعي ، وما يتبع التجارة والصناعة من وسائل ووسائط ، ولا يمكن أن يكون الاقتصاد قوة مالم يتطور من الناحية الإنتاجية ، والإحصاءات السنوية مؤشر قوي على قوة أو ضعف الاقتصاد ، كما اتضح أن الاقتصاد لا يمكن أن يكون قوة ما لم يعتمد على التعاون الدولي. فالتعاون هو ما يسمح بالتكامل وتوسع الأنشطة الاقتصادية سواء في الفلاحة أو الصناعة ، ومن فرض الإنتاج على نطاق واسع يتكون فيه المستهلكون من مئات الملايين بدلا من العشرات. والسوق الأوربية المشتركة خير مثال.
عبد الكريم غلاب ، في الفكر السياسي ، الشركة المغربية للطباعة والنشر ، 1993 ، ص 85 وما بعدها  (بتصرف).

* بطاقة التعريف بالكاتب :
تحليل نص القوة الاقتصادية
مراحل من حياته
أعماله
- ولد في مدينة فاس سنة 1919
- تابع دراسته في القرويين ، ثم التحق بالقاهرة حيث حصل على الإجازة في الأدب العربي
- شارك في الحركة الوطنية المغربية وناضل في صفوف حزب الاستقلال
- اشتغل بالصحافة منذ سنة 1948
- ساهم في تأسيس اتحاد كتاب المغرب
- عمل بوزارة الخارجية سنة 1956
من أعماله :
- نبضات فكر (مقالات)
- سبعة أبواب (رواية)
- دفنا الماضي (رواية)
- لمعلم علي (رواية)
- مات قرير العين (قصص)
- من اللغة إلى الفكر
- صحفي في أمريكا

* ملاحظة النص واستكشافه :
1- العنوان :
- تركيبيا : عنوان النص مركب وصفي يتكون من كلمتين
- معجميا : ينتمي العنوان إلى المجال الاقتصادي
- دلاليا : يدل العنوان على الصفة التي يتميز بها الاقتصاد وهي القوة
2- فقرات النص :
- يتكرر العنوان في كل فقرات النص وهذا يستدعي فرضيتين رئيسيتين
  * أن العنوان يختزل معاني النص.
*  أن الكاتب يركز على فكرة القوة الاقتصادية لشرحها من مختلف الجوانب ومن تم تأكيدها.
3- نوعية النص :
نص تفسيري ذو بعد اقتصادي.

* فهم النص :
1- الإيضاح اللغوي :
- قرنائها : ج : قرين ، و المقصود هنا الدول المماثلة
- الرفاهية : العيش الطيب المتصف بالنعيم والتوسع
- إشعاع : شهرة وتأثير حسن يبعث على الإعجاب والتقدير
- تدرُ عليها  أموالا : تعود عليها بأموال كثيرة. نقول : “درت الدنيا على أهلها” : كثر خيرها
- كفاف : الكفاف من الرزق : ما كفى عن الناس وأغنى – يعيش على الكفاف : يعيش على قدر ما يملك بلا زيادة ولا نقصان.
2- الأفكار الأساسية :
أ- للقوة الاقتصادية فائدتان : تحقيق الاكتفاء الذاتي والرفاهية داخليا ، والمنافسة على الصعيد الخارجي.
ب- تظافر جهود الدولة والمواطنين من شأنه أن يحقق القوة الاقتصادية والرفاهية للشعوب.
ج- أهمية الصناعة ومكانتها بين سائر القطاعات الاقتصادية الأخرى باعتبارها أعظم قوة اقتصادية.
د- تحقق القوة الاقتصادية عدة فوائد على الصعيد الخارجي ، منها ما هو ديبلوماسي ، وما هو عسكري ، وما هو ثقافي.

* تحليل النص :
1- الألفاظ والعبارات الدالة على المجال الاقتصادي :
القوة الاقتصادية – التصنيع – أموالا – الإنتاج – التنافس – الفلاحة – التجارة – السوق الأوربية المشتركة – المستهلكون – اليد العاملة – التجاري – مشاريع – الاكتفاء الذاتي ….
2- تصميم النص بوصفه نصا تفسيريا :
إصدار الحكم
تفسير الحكم
الاستدلال والبرهنة
- اعتماد الدول المعاصرة على القوة الاقتصادية * عن طريق :
- أدوات الربط : [ لكن – إذن – كما – إلى جانب …]
- علامات الترقيم : [ نقطتي التفسير – العارضتان ]
* عن طريق :
- توقع الإيجابيات : [ تدر أموالا طائلة.. – تنقل المواطنين…إلى حالة الغنى والرفاهية… ]
- التمثيل : [ السوق الأوربية المشتركة خير مثال ]

* التركيب والتقويم :
**** الدولة القوية اقتصاديا هي التي تستطيع أن تحقق الاكتفاء الذاتي داخليا والمنافسة على الصعيد الخارجي ، غير أن هذا المطلب لا يتم تحقيقه إلا بتظافر الجهود من طرف المواطنين والدولة..وتعد الصناعة أهم قطاع اقتصادي بالنظر إلى فوائدها الكثيرة على المواطنين والدولة على حد سواء.. هذا على الصعيد الداخلي ، أما على الصعيد الخارجي فتحقق القوة الاقتصادية فوائد ديبلوماسية ، وعسكرية ، وثقافية..
**** يتضمن النص قيمة اقتصادية تتمثل في أهمية القوة الاقتصادية ، ودورها في الارتقاء بالشعوب إلى أعلى المراتب ، وتحقيق الرفاهية وطيب العيش للمواطنين ، وتحقيق الإشعاع الحضاري للدولة على الصعيد الخارجي