-->

تخيل أنك صادفت جنيا في حالة يرثى لها (نموذج متميز في كتابة الحكاية العجيبة 2016)

     كنت في طريق العودة إلى منزلي بعد يوم دراسي جميل يعمه الجد والنشاط، عندما لمحت دوحة لم أعتد وجودها في حديقة حينا، لقد كانت شجرة خوخ عظيمة تنبعث منها رائحة زكية.
     اقتربت منها بدافع الفضول، ومددت يدي لأقطف إحدى أفانينها؛ إذ شدت انتباهي ثمرة غريبة ينافس لونها السماء في زرقتها، فقطفتها ونظفتها بمنديلي، وما كدت أقضمها حتى انبعث منها صوت يصرخ ويقول: " لا ، أيتها الفتاة، توقفي!"
     ارتميت على الأرض من هول الصدمة بينما سقطت الخوخة على يميني لتنشطر إلى نصفين متساويين، فعم ديجور شديد كأنه حلكة الليل بدل الزرقة التي كانت تكسو السماء منذ لحظات قليلة، وهبت ريح عاتية مكان النسيم العليل الذي كان ينعش النفوس، ودوى هزيم الرعد ليظهر جني ضخم البنية، أحوص العينين، أزرق البشرة، أشعث الشعر من بين القزع الذي ملأ المكان، فتوقفت في مكاني، ودب الخوف في أوصالي، وأحسست بالدم يتجمد في عروقي، لكن الجني لم تلبث حالته أن اختلفت، فأصبح قصير القامة، صغير الجثة، فتحول الفزع والخوف اللذان كانا يخالجانني إلى دهشة وارتباك لما نطق قائلا بتعب :
" اسمعيني أيتها الطيبة، أعلم أنك إنسانة ذات أخلاق فاضلة، ومن شيمك  مساعدة المحتاج إليك، ولابد أنك ستمدين لي يد العون، أليس كذلك؟"
إنشاء الحكاية العجيبة

     تحشحشت من مكاني، ووقفت بصعوبة على قدمي اللتان  ما عادتا تحملانني، ثم استجمعت بعض قوتي لأقول بصوت متقطع يلفه الخوف: " وكيف لي أن أساعدك، وأنت جني مارد، بينما أنا لست سوى بشرية ضعيفة؟" ، فأجاب وقد ازدادت حالته سوءا : "بلى، تستطيعين، ما عليك سوى وضعي على النار حتى أتخلص من محنتي".
     هززت رأسي موافقة، وحملته بين ذراعي بعد أن أشفقت لحاله، ثم انطلقت أعدو باتجاه منزلي، حيث أوقدت نار المدفأة ووضعته فيها، وماهي إلا دقائق معدودات حتى استعاد حجمه الأصلي، وشكله الوحشي، ليجلجل قائلا بغضب : "تجهزي أيتها الخبيثة لدفع ثمن ما اقترفته أيادي أجدادك"، فأجبته بهلع : " وماذا فعل أجدادي؟!"
- "ألا تعلمين أنهم سببب معاناتي وآلامي؟! فهم من أحدثوا هذا الشرخ العميق في جسدي، وهم من سجنوني في تلك الشجرة الملعونة"
- "ولكنني حررتك من ذلك السجن المظلم، وأنقذتك من الموت والهلاك، فكيف تقابل معروفي بالجحود والنكران؟!"
- "إن ذلك لا يشفع لك، فلن أستطيع التغاضي عن خطيئة عائلتك ما دمت من تلك السلالة التي عذبتني ودمرتني، فسآخذ بثأري من أعدائي بالتخلص منك."
- وكيف علمت انهم عائلتي؟ فالأسر عديدة على سطح الأرض."
- "أولستم جميعا من بني آدم؟"
- "بلى، ولكن.."
- "ولكن ماذا؟ لقد تعبت من مجادلتك السخيفة هذه، فتأهبي.. ثواني حياتك باتت معدودة"
     أجبته وقد تبلورت فكرة غريبة في ذهني: "إن كان لا بد من موتي، فاسمح لي بطلب أخير"
- "وماهو؟"
- "أنت جني، والجن يستطيعون القيام بما يعجز الإنسان عن فعله، صحيح؟"
- "نعم، وبعد؟"
- "إذن، هل لك أن تتحول إلى ماء، داخل القنينة؟"
- "أتشكين في ذلك؟"
- " لا، ولكني أود أن أكون أول من يشهد هذه المعجزة من أبناء جنسي"
     لم أكد أنهي كلامي حتى اختفى الجني من أمامي ، وامتلأت القنينة ماء وأسرعت إليها، وأحكمت إغلاقها، وألقيت بها في عرض البحر بعد أن أرفقتها بملحوظة تحذر من فتحها.
    وهكذا، انقشعت ضبابة الخوف التي كانت تعتريني، وتخلصت من هذا الجني الذي قابل صنيعي بالشر ونكران الجميل.

من إنجاز التلميذة : كوثر أبركشان (3/10)

-------------------------

شروحات :

ديجور : ظلام
أحوص : ضاق مؤخر عينه
القزع : قطع سحاب متفرق في السماء
تحشحشت : تحركت للنهوض
يجلجل : جلجل الرعد : انفجر
الشرخ : الشق