-->

معاملة المسلمين لغيرهم

أعطى النبي صلى الله عليه وسلم  مثلا أعلى لمعاملة أهل الكتاب، فقد روي أنه كان يحضر ولائمهم، ويعود مرضاهم، ويستقبل وفودهم، ويحسن إليهم.

وروي أنه كان يقترض من أهل الكتاب نقودا ويرهنهم أمتعته، حتى إنه توفي ودرعه مرهونة عند بعض يهود المدينة في دين عليه، ولم يخلص درعه إلا خلفاؤه بعد وفاته. كان يفعل ذلك لا عجزا من أصحابه عن إقراضه، فكان منهم المثرون وهم المستعدون لأن يضحوا بأنفسهم وأموالهم في مرضاة نبيهم، ولكنه كان يفعل ذلك تعليما وإرشادا لأمته.
تحليل النص القرائي معاملة المسلمين لغيرهم

وقد سار المسلمون على سيرة نبيهم فعاشروا غيرهم من أهل الملل والنحل الأخرى بصفاء ووئام، فكان المسيحي واليهودي يجاوران المسلم، فيتزاورون ويتهادون، لا يفصلهم إلا المسجد والكنيسة والبيعة. روي أن غلاما لابن عباس الصحابي الشهير ذبح شاة، فقال له ابن عباس : لا تنس جارنا اليهودي، ثم كررها حتى قال له الغلام : كم تقول هذا! فقال إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوصانا بالجار حتى خشينا أنه سيورثه. فابن عباس بنص هذا الخبر كان مجاورا ليهودي، وكان يهتم بالإهداء إليه كما يهتم بسواه مراعاة لحرمة الجوار، ومعنى هذا أن الإسلام لا يفرق في مكارم الأخلاق وحقوق الاجتماع بين مسلم وغيره.

ومما يدلنا على مبلغ إدراك الخلفاء المسلمين لمعنى الحرية الدينية ما نراه من عمر الفاروق حين حضرته  الصلاة في كنيسة القيامة في بيت المقدس، فلم يصل فيها حتى لا يتخذها الناس مسجدا من بعده فيظلموا أهلها.
وقد دل تاريخ المسلمين على أن تشريعهم يسمح لغير المسلم أن يقاضي أرفع إنسان في المسلمين وينتصف منه، فقد روي أن يهوديا اشتكى عليا للخليفة عمر بن الخطاب، وعلي، رضي الله عنه، كما لا يخفى، ابن عم النبي، وزوج ابنته، وأحد المرشحين للخلافة، فلما مثلا بين يدي عمر نظر إلى علي وقال له : قم يا أبا الحسن واجلس أمام خصمك، أو قال له : ساو  خصمك يا أبا الحسن،  فساوى علي خصمه، وجلس أمامه وقد بدا الثأر على وجهه، فلما انتهت الخصومة قال عمر: أكرهت يا علي أن تجلس أمام خصمك؟ فأجابه علي : كلا! ولكن كرهت أنك لم تسو بيننا حين قلت : يا أبا الحسن (يريد أن الكنية تشير إلى التعظيم).

وحدث مرة أن ولدا لعمرو بن العاص ضرب فتى قبطيا، فأقسم هذا ليشكونه لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فقال له ابن عمر ما معناه : اذهب فلن ينالني ضرر من شكواك فأنا ابن الأكرمين، فبينما كان الخليفة مع خاصته، وعمرو بن العاص وابنه معهم في موسم الحج، قدم هذا الرجل عليهم، وقال مخاطبا عمر : يا أمير المؤمنين إن هذا ـ وأشار إلى ابن عمرو ـ ضربني ظلما وقال : اذهب فأنا ابن الأكرمين. فنظر عمر إلى عمرو، وقال له : (( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا))، ثم توجه إلى الشاكي ، وناوله درته، وقال له : (( اضرب بها ابن الأكرمين كما ضربك)).

هكذا نشأ المسلمون نشاتهم الأولى ، والدين أقوى حاكم على شعورهم، فلم يشاهد منه ما يعابون عليه من جهة التسامح مع مخالفيهم، ثم لما انتشر العلم فيهم، ونبغ منهم المؤلفون والباحثون ، لم تصب هذه النزعة فيهم أدنى انحراف بل زادوها رونقا بما قاموا به من حماية علماء الملل الأخرى ومكافأتهم، وقد أفاض بذكر ذلك كتاب ((الأغاني)) الذي سرد كثيرا من أخبارهم.

والفقهاء الأولون لم يهملوا حقوق أهل الذمة ، فقد نصوا على وحوب الرفق بهم، ودفع من يتعرض لأذيتهم، فقال الشهاب القرافي - وهو من كبار أئمة التشريع في الإسلام - في كتابه الشهير (الفُروق) : (( إن عقد الذمة يوجب لهم حقوقا علينا، لأنهم في جوارنا، وفي خفارتنا، وفي ذمة الله تعالى، وفي ذمة رسوله صلى الله عليه وسلم ودين الإسلام. فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء غيبة في عرض أحدهم، أو أي نوع من أنواع الأذية، أو أعان على ذلك، فقد ضيع ذمة الله تعالى، وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم، وذمة دين الإسلام)).
عفيف عبد الفتاح طبارة . روح الدين الإسلامي . ص ص : 285 - 287

أولا : التعريف بالكاتب :

  • مراحل من حياته :

- ولد في بيروت سنة 1923م
- نشأ في أسرة متوسطة الحال
- دخل الكنيسة الشرعية طلبا للعلم والتدين ، وأقام في قسمها الداخلي أربع سنوات
- عمل مدرسا لمدة ست سنوات
- عمل خطّاطا وكُلف بتعليم الخط لطلاب الكلية الشرعية.

  • أعماله :

- روح الدين الإسلامي
- مع الأنبياء في القرآن
- روح الصلاة في الإسلام
- الخطايا في نظر الإسلام
- اليهود في القرآن
- الحكمة النبوية

ثانيا : ملاحظة النص واستكشافه :

  •  العنوان : 

- تركيبيا : مركب إضافي + جار ومجرور+ مركب إضافي
ـ معجميا : ينتمي إلى المجال الإسلامي
- دلاليا : يدل على العلاقة التي تربط المسلمين بغيرهم  (كيف عامل المسلمون الأوائل غيرهم؟ \ كيف ينبغي أن تكون معاملة المسلمين لغيرهم؟)

  • بداية النص ونهايته :

ورد اسم الرسول صلى الله عليه وسلم في بداية النص ونهايته ، فهو يمثل القدوة في معاملة غير المسلمين، ولذلك وجب الاقتداء به والسير على نهجه.

  • نوعية النص :

 مقالة تفسيرية ذات بعد إسلامي.

ثالثا : فهم النص :

  • الإيضاح اللغوي :

- يرهنهم أمتعته : يتركها رهينة عندهم على ما أخذ ريثما يستردها
- الملل والنحل : الديانات والشرائع
- يتهادون : يتبادلون الهدايا
ـ البيعة : معبد النصارى واليهود

  • الفكرة المحورية :

مظاهر حسن معاملة المسلمين لغيرهم من أصحاب الملل الأخرى

رابعا : تحليل النص :

  • الأفكار الأساسية :

1- الرسول صلى الله عليه وسلم نموذج مثالي في حسن معاملة أهل الكتاب.
2- اقتداء المسلمين بنهج نبيهم في تعاملهم مع أهل الديانات الأخرى
3- من أقوى مظاهر حسن  معاملة المسلمين لغيرهم ، إنصافهم ـ إذا كانوا مظلومين ـ حتى من أرفع الناس درجة من المسلمين.(قصة علي رضي الله عنه مع يهودي ، وقصة ابن عمرو بن العاص مع فتى قبطي).
4- دعوة العلماء والفقهاء الأوائل إلى مراعاة حقوق أهل الذمة، وحرصهم على حمايتهم والرفق بهم.

  • الألفاظ والعبارات الدالة على حسن معاملة الإسلام لأهل الكتاب :

[كان يحضر ولائمهم- يعود مرضاهم - يستقبل وفودهم - يحسن إليهم - عاشروا غيرهم - يتزاورون - يتهادون - لا تنس جارنا اليهودي - التسامح مع مخالفيهم - حماية علماء الملل الأخرى ومكافأتهم - لم يهملوا حقوق أهل الذمة -

  • القضايا التي ترتبط بمقاضاة الذمي للمسلم :

الأطراف
 مراكزهم الاجتماعية
 موضوع القضية
 المغزى
القضية الأولى - علي رضي الله عنه
- اليهودي
- عم الرسول صلى الله عليه وسلم
 ــــــ
شكوى اليهودي الناس سواسية أمام العدالة
القضية الثانية - ابن عمرو بن العاص
- الفتى القبطي 
- ولد عمرو بن العاص
 ــــــ
الاعتداء بالضرب ظلما  نبذ العبودية والظلم 

خامسا التركيب والتقويم :

يعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في حسن معاملة أهل الكتاب، وقد اقتدى الصحابة والخلفاء بنهج نبيهم فعاملوا غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى بتسامح ووئام، وضمنوا حقوقهم وأنصفوهم في الكثير من المواقف.
وقد تضمنت كتب العلماء والفقهاء المسلمين توصيات على حسن معاملة أهل الذمة باعتبارهم من ذوي الحقوق في المجتمع الإسلامي.

يتضمن النص قيما إسلامية تتمثل في : التسامح ، والعدل ، والمساواة ، والحرية... وغيرها من القيم الإيجابية التي تدعو إلى حسن معاملة أهل الكتاب.