-->

العولمة والهوية

... ها نحن نرى اليوم على مشارف القرن الواحد والعشرين، نرى دخول العالم مرحلة جديدة من الهيمنة الاقتصادية التي تمسك بخيوطها القوى الصناعية الكبرى الممسكة بزمام التكنولوجيا المتطورة،القادرة بثروات شركاتها العملاقة المتراكمة على تطوير البحث العلمي و تصدير إنتاجها إلى كل أسواق العالم في الاتجاه الذي يخدم مصالحها،ويبقى على تفوقها التكنولوجي والعسكري والاقتصادي، مستغلة تحرير الأسواق التجارية الدولية من كل الحواجز الجمركية الاحتمائية. وبهذا التطور، تواجه شعوب عديدة في عالمنا،من بينها شعوب العالم العربي و شعوب إفريقية،تحديات جديدة من جراء فرض نظام عالمي جديد في الاقتصاد تطلق عليه صيغة (العولمة).

وقد لاحظ بعض الباحثين أن هذه العولمة الاقتصادية تسير وفق منهج يفضي إلى النتائج المتلاحقة التالية:-
- تطويق الإنتاج القومي الاقتصادي بمنافسة غير متكافئة مما يؤدي إلى المزيد من توسيع البطالة.
- تقليص تدخل الدولة الوطنية في توجيه اقتصادها،وفي تحقيق التوازنات الضرورية لحماية المصالح القومية.
- تطويق الإبداع الأدبي و الفني لدى الشعوب ذات الهوايات الثقافية.بإغراقه في تسويق صناعتها وإنتاجها.
- تهميش الثقافة الوطنية و اللغة القومية، بفرض لغة و ثقافة القطب الاقتصادي المهيمن.
- تقليص العلاقة الحميمة بين المثقف و بين الخبرة المباشرة بعمله و بالحياة من حوله . فعولمة الإعلام تقدم للمتعلم المثقف كل ما كان يختبره بنفسه،تقدمه جاهزا موثقاً فتغنيه عن الانتقال في الزمان والمكان وعن معاناة تطوير خبرته الجمالية الاستدلالية، فيصبح تلقيه للمعارف و الخبرات تلقياً آلياً،تمهيداً لجعل إنسان المستقبل نسخاً متكررة تفكر وتتذوق و تستدل بطريقة شبه موحدة. أما ما يستعصي على التوحيد والآلية فسينقرض تدريجيا كالفلسفة والشعر.

غير أننا لا نشاطر الكثير ممن توقع نجاح العولمة في محور هويات الدول الضعيفة،فقد تنتصر العولمة في مجال الحياة المادية،كما في الاقتصاد و التجارة الدولية والتكنولوجيا، وفي وسائل النقل والإعلام، ولكن العولمة تظل دون تحقيق أي نصر في مجال إقصاء الهويات الثقافية،ولاسيما الهويات التي تقوم على منظور شمولي للكون والحياة،من خلال العقيدة الدينية التي تعتنقها.لكن علينا أن ندرك أن الاحتفاظ بهويتنا الثقافية لا يأتي عفواً أو بدون تفعيل الهوية نفسها في الحفاظ على كيانها. و بالعمل على نشر إشعاع ثقافتنا. و تعميق قيمنا الروحية والدينية،وسط الفراغ الذي تعانيه الأجيال، وذلك بوضع سياسات ثقافية شاملة توازي سياسات التنمية وتحتويها، مع دعم الفكر الحر الملتزم بتلك القيم الروحية العليا.

أولا : بطاقة التعريف بالكاتب : محمد الكتاني


 مراحل من حياته
 أعماله
 - ولد بالدار البيضاء سنة 1940
- حصل على الإجازة في الأدب العربي سنة 1962
اشتغل أستاذا بالتعليم العالي سنة 1966 ، وانضم إلى اتحاد كتاب المغرب في السنة نفسها.
- حصل على دبلوم الدراسات العليا سنة 1969
- حصل على الدكتوراه سنة 1980
- عمل قيدوما لكلية الآداب بتطوان.
 له مؤلفات تتوزع بين التأليف المدرسي والدراسة الأدبية والتحقيق ، ومنها :
- روضة التعريف بالحب الشريف
- محمد لإقبال مفكرا إسلاميا
- الصراع بين القديم والجديد في الأدب العربي الحديث.
- المسلمون وإشكالية الوحدة


ثانيا : ملاحظة النص واستكشافه :

1- العنوان : تركيبيا : يتكون عنوان النص من كلمتين تكونان فيما بينهما مركبا عطفيا.
                 - معجميا : ينتمي العنوان إلى المجال الاقتصادي.
                 - دلاليا :  - يدل العنوان على وجود علاقة بين العولمة والهوية. فما طبيعة هذه العلاقة؟
*** يفترض أن يكون للعولمة تأثيرعلى هوية الإنسان وكينونته التي تميزه عن غيره من بني جنسه المنتمين إلى شعوب وثقافات مختلفة.
2- بداية النص : لم يتكرر العنوان لفظا في بداية النص ، ولكننا نجد فيها مؤشرات تحيل على "العولمة" : (العالم - الهيمنة الاقتصادية - تمسك بخيوطها) 
3- نهاية النص : ترتبط نهاية النص بالجزء الثاني من العنوان  ، لأنها تتضمن مؤشرات دالة على "الهوية" : (كيانها - ثقافتنا - قيمنا...)
مقالة تفسيرية ذات بعد اقتصادي
4- نوعية النص : مقالة تفسيرية حجاجية ذات بعد اقتصادي.

ثالثا : فهم النص : 

1- الإيضاح اللغوي :
- العولمة : جعل الشيء عالميا ، أو دولي الانتشار في مداه وتطبيقه
- تطويق: حصار ، طوق الشيء : أحاط به من كل الجهات وحاصره
- عفوا : عن غير قصد.
2- الفكرة المحورية : انتشار العولمة في عصرنا الراهن وتأثيرها السلبي على الاقتصاد الوطني وثقافات الشعوب ، ودعوة الكاتب إلى بذل الجهد لحماية هوياتنا من براثن العولمة.

رابعا : تحليل النص :

1- الأفكار الأساسية :
- ظهور العولمة في العصر الحديث ، وانتشارها على يد القوى الكبرى المتحكمة في الاقتصاد العالمي.
- يكمن خطر العولمة في نتائجها السلبية ومنها : تطويق الإنتاج المحلي للدول المستضعفة وتهميش ثقافاتها..
- قد لا يكون تأثير العولمة كبيرا على الهوية ، ورغم ذلك يجب العمل بجهد للحيلولة دون فقدانها في يوم من الأيام.
2- الألفاظ الدالة على الهيمنة والسيطرة :
الهيمنة - تمسك - زمام - تفوق - العولمة - إغراق  - فرض - المهيمن....
3- ملامح الحجاج في النص :
-  الفكرة المرفوضة : غير أننا لا نشاطر الكثير ممن توقع نجاح العولمة في محو هويات الدول الضعيفة.

-  الفكرة المقبولة : ولكن العولمة تظل دون تحقيق أي انتصار في مجال إقصاء الهويات الثقافية.
- الحجج والبراهين : - ولا سيما الهويات التي تقوم على منظور شمولي للكون من خلال العقيدة الدينية التي تعتنقها - لا حظ بعض الباحثين أن العولمة...

 خامسا : التركيب والتقويم :

      شهد العصر الحديث انتشارا كبيرا وسريعا لنظام اقتصادي جديد ينبني على أساس السيطرة وفرض الهيمنة الاقتصادية على الدول الضعيفة من خلال إغراق أسواقها بمنتوجات لا تستطيع منافستها.
وقد ترتب عن هذا الحصار الاقتصادي تضرر  العديد من الشعوب ولا سيما دول العالم الثالث، حيث حوصر إنتاجها وهمشت ثقافتها ولغاتها. وصارت هوياتها قاب قوسين أو أدنى من أن تمحى من الوجود لولا أن بعض هذه الهويات يرتبط بعقيدة دينية تتأسس على منظور شمولي للكون والحياة.
*** يتضمن النص قيمة توجيهية / توعوية تتمثل في التوعية بمخاطر العولمة والدعوة إلى اتخاذ التدابير الكفيلة بحماية هوياتنا من شبح العولمة.