-->

الهاتف النقال

تشهد ظاهرة الهاتف الجيبي، على رغبة طافحة عند الإنسان المعاصر في التواصل مع الآخرين والحديث إليهم والاقتراب منهم. والظاهر أن ((حمى الاتصال)) هذه لم تعد حكرا على منطقة بعينها، فالجميع أصبح يحمل معه هاتفه مثلما يحمل ساعته في انتظار ((هذا الذي سيهتف)). بل ان الأمر يأخذ في بعض الاحيان طابعا لا يخلو من هزل، خصوصا عندما تجمع الصدفه جماعة يأخذ كل واحد منها في الحديث الى هاتفه، أو عندما يتوقف أحدهم في ركن الشارع ليكلم نفسه، مما يجعلنا نتساءل: هل نحن هنا فعلا أمام رغبة حقيقية في التواصل والاقتراب والاتصال، أم نحن، على العكس من ذلك تماما، أمام سعي دائب وراء الهروب والابتعاد والانفصال؟

حتى وقت قريب كان بعض الناس يشكو من ما سببه التلفزيون من تفكك داخل الأسرة، إذ غدا أعضاء الأسرة الواحدة يجلس بعضهم جنبا الى جنب من غير ان يتجالسوا، فتعلق أنظارهم وتشد آذانهم إلى الشاشة الصغيرة، دون أن يحاول أي منهم الالتفات إلى من بجنبه.

هذا الوضع ينقله الهاتف الجيبي اليوم إلى الشارع حيث أصبح المار إلى جنبك ((يمر عليك)) دون أن يحييك أو يتحدث إليك لأنه غارق في عالمه الجديد.

ووسيلة النقل في هذا العالم هي الهاتف المتنقل، أو كما يسميه آخرون عن حق الهاتف النقال. لا لأننا ننقله معنا، بل لأنه هو الذي ينقلنا في هذا الفضاء الجديد حيث السرعة، وحيث تقلص المكان.

أي نوع من القرابة التي بإمكان هذا الهاتف أن يخلقها بين الناس، وأي نوع من التواصل يعيش عليه الإنسان المعاصر!؟. فهذا الإنسان إذ يحاول أن يعيش في "هذا العالم"، وأن يقترب من الجميع، لا يقترب من أحد. وهو إذ يحاول أن يحضر في كل مكان، يغيب عن جميع الأمكنة وهو إن كان يسعى دوما للاتصال بالاخرين، فلأنه لم يعد يتواصل معهم قريبين كانوا أم بعيدين عنه.
عبد السلام بن عبد العالي ((ميثولوجيا الواقع)) دار توبقال - سلسلة ((المعرفة الفلسفية)) ط. 1- 1999- ص.51-52 (بتصرف)
النص القرائي الهاتف النقال، السنة الأولى إعدادي

أولا: ألاحظ وأفهم:

1- العنوان: مركب وصفي يتكون من كلمتين.
2- بداية النص: تشير إلى عامل من عوامل انتشار الهاتف النقال بشكل كبير في العصر الحديث وهو الرغبة في التواصل.
3- نهاية النص: تشير إلى فشل الهاتف النقال في تحقيق التواصل
4- نوعية النص: مقالة تفسيرية ذات بعد حضاري
5- الإيضاح اللغوي:
- طافحة: كبيرة، زائدة
- يهتف: يصيح ويرفع صوته، والمقصود: يتصل
- دائب : مستمر ومتواصل
6- الأفكار الأساسية:
- ظاهرة الهاتف الجيبي تعبير عن رغبة كبيرة في الاتصال لدى جميع الناس وفي جميع المناطق.
- ساهم التلفزيون في تفكك الأسرة.
- الهاتف النقال وسيلة للتنقل عبر العالم.
- أصبح هناك سعي مستمر للابتعاد وعدم التواصل.

ثانيا : تحليل النص:


2- الحقول الدلالية:
 ما يدل على الرغبة في التواصل ما يدل على النفور من التواصل
- رغبة طافحة في التواصل
- الاقتراب منهم
- في انتظار هذا الذي سيهتف
- رغبة حقيقية في التواصل والاتصال
- الهروب والابتعاد والانفصال
- لا يقترب من أحد
- يغيب عن جميع الأمكنة
- لم يعد يتواصل معهم

3- ملامح التفسير والتوسيع في النص:
- التمثيل: أعطى الكاتب مثالين لطابع الهزل في الهاتف النقال: - عندما تجمع الصدفة جماعة... - عندما يتوقف أحدهم في ركن الشارع...
- التعليل: ومثاله قول الكاتب: لأنه هو الذي ينقلنا في هذا الفضاء.
- المقارنة: مقارنة الهاتف بالتلفزيون.
- التساؤل: - هل نحن هنا فعلا أمام رغبة حقيقية في التواصل؟ - ترى أي نوع من القرابة التي بإمكان هذا الهاتف أن يخلقهابين الناس؟

ثالثا: أركب:

في الوقت الذي يسعى فيه الإنسان إلى تحقيق التواصل والاتصال بالآخرين والاقتراب منهم من خلال الهاتف النقال، فإن الواقع يثبت أن هذه الأداة لم تحقق الغاية التى اخترعت من أجلها أي التواصل، بل ساهمت في التنافر بين الناس وابتعادهم عن بعضهم.